أزمة الكهرباء العالمية: بين الظلام والحرارة

بقلم : يونس أقبو

في ظل موجة من الانقطاعات الكهربائية التي تجتاح العديد من دول العالم، نجد أنفسنا أمام أزمة غير مسبوقة تتخطى الحدود الجغرافية والسياسية. من مصر التي تعاني من تقشف شديد في الكهرباء، إلى تونس والكويت والعراق وتركيا، وحتى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، يبدو أن العالم بأسره يكافح لمواجهة هذا التحدي. التغير المناخي، الطلب المتزايد على الطاقة، ونقص البنية التحتية، كلها عوامل ساهمت في هذا الوضع المعقد.

في مصر، لم يعد هناك من النور إلا القليل. الحكومة اتخذت إجراءات تقشفية صارمة لتوفير الكهرباء، مما أثر على كافة فئات المجتمع، من الأغنياء إلى الفقراء، وتسبب في توقف بعض المصانع والمتاجر. السبب وراء هذه الأزمة يعود إلى مشاريع إنشائية ضخمة استهلكت الكثير من الطاقة، وزيادة سكانية غير مسبوقة، بالإضافة إلى تأثر استيراد الطاقة من إسرائيل التي خففت صادراتها إلى مصر.

تونس، على الجانب الآخر، تتجه إلى اختارت القطع الجزئي للكهرباء لمواجهة الضغط المتزايد على الكهرباء، مما أثار قلقاً واسعاً بين السكان. أما ليبيا، فشهدت انقطاعات مفاجئة في الكهرباء، والكويت، رغم غناها بالنفط، لجأت إلى تقنين الأحمال الكهربائية .

كما و أن العراق ولبنان وسوريا لم تكن أفضل حالاً. العراق، رغم امتلاكه لاحتياطيات نفطية ضخمة، تعاني من بنية تحتية غير مؤهلة لتحويل النفط إلى طاقة، وتعتمد بشكل كبير على إيران لتزويدها بالكهرباء. أما لبنان وسوريا، فالوضع الكهربائي فيهما سيئ لدرجة أن المواطنين لم يعودوا يستغربون من استمرار الانقطاع.

تركيا، التي خاضت حروباً من أجل الغاز، وجدت نفسها أمام خيارين: إما قطع الكهرباء عن بعض المناطق أو رفع الأسعار. اختارت رفع الأسعار بنسبة تقارب 40%، مما شكل عبئاً كبيراً على الشعب التركي. أوروبا لم تكن بمنأى عن الأزمة، بريطانيا شهدت انقطاعاً في الكهرباء أثر على مطار مانشستر، كما شهدت اليونان عدة وفيات نتيجة الحرارة المرتفعة وغياب التبريد. أمريكا، بالرغم من أنها أكبر مستهلك للكهرباء، عانت هي الأخرى من انقطاعات في الكهرباء في عدة مناطق.

الهند، صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم، دفعت ثمناً باهظاً بسبب الانقطاعات الكهربائية والحرارة المرتفعة، مما تسبب في وفيات عديدة. الصين واليابان وبلدان شرق آسيا، وكذلك الإكوادور والمكسيك، عانت من نفس الأزمة.

كما و تلعب الحروب دوراً كبيراً في تفاقم أزمة الكهرباء في العديد من البلدان. أحدث مثال على ذلك هو الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت بشكل مباشر على إمدادات الطاقة في أوروبا. روسيا، كونها واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، قللت من صادراتها إلى أوروبا نتيجة العقوبات الاقتصادية والصراعات المستمرة، مما أدى إلى نقص كبير في إمدادات الطاقة وارتفاع الأسعار. دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي وجدت نفسها في مواجهة أزمة حادة، واضطرت للبحث عن مصادر بديلة للطاقة بشكل سريع.

في العراق، أدت سنوات من النزاعات والصراعات إلى تدمير البنية التحتية الكهربائية، مما جعل البلد غير قادر على تلبية احتياجاته الطاقية رغم ثروته النفطية الكبيرة. الحرب الأهلية في سوريا تسببت في انهيار شبه كامل لشبكة الكهرباء، تاركة الكثير من السكان دون أي مصدر مستقر للطاقة. ليبيا تعاني أيضاً من انقطاعات مفاجئة نتيجة الصراعات الداخلية المستمرة.

هذه الحروب لا تقتصر تأثيراتها على تدمير البنية التحتية فقط، بل تعيق أيضاً جهود إعادة البناء والتطوير، مما يجعل من الصعب على هذه الدول الخروج من دوامة الظلام واستعادة استقرارها الكهربائي. بالتالي، تتداخل الأزمات السياسية مع الاقتصادية، مما يفاقم من معاناة الشعوب ويزيد من صعوبة حل أزمة الكهرباء العالمية.

وفقاً لتقرير سي إن إن، فإن التغير المناخي هو السبب الرئيسي وراء زيادة الطلب على الكهرباء بشكل مفاجئ، مما أدى إلى هذه الأزمة العالمية. بعض البلدان، مثل مصر، لديها خصوصيات إضافية مثل مشاريع البناء الضخمة وزيادة عدد السكان.

ورغم النظريات التي تتحدث عن مؤامرات دولية ومصالح اقتصادية، فإن الحقيقة تبقى أن هذه الأزمة مؤقتة وستمر، لكنها ستترك أثراً عميقاً على العديد من الدول قبل أن يعود العالم إلى عصر الأنوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *