بقلم : يونس أقبو
شهد العالم في الساعات الأخيرة اضطراباً واسع النطاق أثر على العديد من الشركات والمؤسسات عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك الطيران والتمويل والخدمات الطارئة. بدأت المشكلة في أستراليا وامتدت بسرعة إلى باقي أنحاء العالم، مما ترك الشركات غير قادرة على الوصول إلى أنظمتها.
المشكلة الرئيسية تعود إلى تحديث قامت به شركة CrowdStrike للأمن السيبراني لمنصة مايكروسوفت، حيث تأثرت بعض الأنظمة بشكل سلبي وواجهت صعوبات في العمل بشكل طبيعي. وعلى الرغم من أن CrowdStrike أوقفت التحديث فور ملاحظة المشكلة، إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل، مؤثراً على العديد من الشركات الكبرى.
فيما يتعلق بالمستخدمين العاديين، تم تسجيل مشاكل في إجراء التحويلات البنكية عبر بعض التطبيقات البنكية، على الرغم من أن التطبيقات ذاتها كانت تعمل بشكل طبيعي. هذا الأمر أثار قلق الكثيرين، خاصة العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات الذين يعتمدون على نظم مايكروسوفت.
من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لشركة CrowdStrike أن المشكلة ليست ناجمة عن هجوم سيبراني، بل هي نتيجة خطأ في التحديث، مشيراً إلى أن الحلول التلقائية تم تطبيقها لحل المشكلة، لكن بعض الأجهزة قد تحتاج إلى تدخل يدوي، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً نظراً للعدد الكبير من الأجهزة المتضررة حول العالم.
هذه الأزمة لم تمر دون تأثير على الأسواق المالية، حيث شهدت أسهم CrowdStrike انخفاضاً بنسبة 10% خلال يوم واحد، بينما استفادت أسهم شركات الأمن السيبراني الأخرى من هذا الوضع.
من جهة أخرى، لم تُسجل حتى الآن أي مشاكل في الشركات المغربية، سواء في قطاع الطيران أو البنوك، مما يعطي بعض الطمأنينة للمستخدمين في المغرب.
هذه الحادثة تثير العديد من التساؤلات حول الاعتماد الكبير على نظام واحد وحتمية البحث عن حلول بديلة وتقليل الاعتماد على شركة واحدة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات.
تداعيات الأزمة والحلول الممكنة
إن هذه الأزمة التي تسبب فيها تحديث غير موفق لمنصة مايكروسوفت، تبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في كيفية إدارة أنظمة تكنولوجيا المعلومات على المستوى العالمي. تبرز العديد من التحديات والمخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على منصات وأنظمة تكنولوجيا معلومات مركزية.
تأثير الأزمة على الاقتصاد العالمي
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت هذه الأزمة مدى هشاشة الأنظمة المالية والتجارية العالمية أمام أي خلل تقني. توقف العمليات البنكية، تعطل حجوزات الطيران، وشلل بعض الخدمات الطارئة، كلها عوامل أدت إلى خسائر مالية ضخمة. المحللون يتوقعون أن تصل هذه الخسائر إلى مليارات الدولارات، ما يضع ضغطاً إضافياً على الشركات لتعويض تلك الخسائر والنظر في وسائل بديلة لتجنب تكرار هذا السيناريو.
الحاجة لحلول متعددة الأنظمة
إن الاعتماد على نظام واحد قد يجعل الشركات عرضة لمثل هذه المخاطر. لذا، هناك دعوات متزايدة نحو تبني استراتيجيات تعتمد على تعددية الأنظمة والحلول، بحيث يمكن للشركات التبديل إلى نظام آخر في حال حدوث أي خلل. هذا يمكن أن يقلل من تأثير أي خلل تقني ويضمن استمرار العمليات بسلاسة.
دعم القدرات المحلية
تعد أزمة التحديث الأخيرة فرصة لتسليط الضوء على ضرورة تعزيز القدرات المحلية في مجال تكنولوجيا المعلومات. على سبيل المثال، يمكن للدول الاستثمار في تطوير منصات محلية تلبي الاحتياجات الخاصة بها وتكون أقل عرضة للأزمات التي قد تنجم عن الاعتماد على أنظمة خارجية. المغرب، على سبيل المثال، يمتلك قاعدة قوية من المطورين والمهندسين في مجال تكنولوجيا المعلومات، مما يؤهله لبناء حلول رقمية محلية ذات كفاءة عالية.
التوجه نحو الرقمنة بحذر
رغم الفوائد الكبيرة للرقمنة، إلا أن هذه الأزمة تذكرنا بأن هذه العملية تحتاج إلى نهج حذر ومدروس. يجب وضع استراتيجيات أمان متقدمة والتأكد من وجود خطط طوارئ للتعامل مع أي خلل محتمل. الرقمنة تمثل المستقبل، لكنها تتطلب أيضاً بنية تحتية قوية وآمنة.
الاستفادة من الخبرات الدولية
يمكن للمغرب والدول الأخرى الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات لتعزيز قدراتها المحلية. التعاون مع الشركات العالمية وتبادل الخبرات يمكن أن يساعد في تطوير حلول متقدمة ومناسبة للسوق المحلية.
لقد أبرزت هذه الأزمة أهمية الاستعداد والتخطيط لمواجهة أي طارئ تقني قد يؤثر على سير الأعمال والخدمات الحيوية. يجب على الشركات والحكومات الاستثمار في تطوير أنظمة مرنة وآمنة لضمان استمرارية الأعمال وحماية مصالح المستخدمين والمستثمرين على حد سواء. الرقمنة هي الطريق نحو المستقبل، ولكن يجب أن تتم بحذر ومع الأخذ في الاعتبار كافة الجوانب الأمنية والتقنية اللازمة.
وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أهمية تعزيز القدرات المحلية في مجال التكنولوجيا والرقمنة لدعم الاستقلالية وتوفير حلول محلية تلبي احتياجات السوق.