ترامب والمكسيك: المواجهة الجمركية التي تقلب موازين الاقتصاد والجيوسياسة!

المغربية أنفو

يونس أقبو

بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عاد بنشاط إلى سياساته الحمائية التي لطالما حملت شعار “أمريكا أولاً”. ففي خطوة مثيرة للجدل، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على الواردات القادمة من المكسيك وكندا، فيما كانت نسبة الرسوم الموجهة ضد الصين تبلغ 10%، وذلك في إطار محاولته للحد من التدفقات غير الشرعية للمهاجرين ووقف تهريب مخدر الفنتانيل إلى الأراضي الأمريكية. إذ رأى ترامب أن هذه الدول تتقاعس عن معالجة الأزمات الأمنية على حدود الولايات المتحدة، فقرر استخدام الضغط الاقتصادي كأداة لتحقيق أهدافه الوطنية.

وبعد موجة من التصعيد والتهديدات المتبادلة، نجحت مفاوضات مكثفة في تهدئة الوضع مؤقتًا، حيث أعلن ترامب تعليق الرسوم الجمركية المفروضة على المكسيك لمدة ثلاثين يومًا. جاء هذا القرار بعد محادثة حاسمة مع الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، التي وافقت على نشر عشرة آلاف جندي على الحدود الشمالية، بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات وتدفق المهاجرين غير الشرعيين. وفي نفس السياق، التزمت كندا بخطة أمنية شاملة بقيمة 1.3 مليار دولار، تضمنت استخدام أحدث التقنيات ومشاركة فرق مشتركة للتصدي للجريمة المنظمة وتعزيز مراقبة الحدود.

لم تقتصر تداعيات الأزمة على الصعيد الإقليمي فحسب، بل تعدتها لتشمل ردود فعل دولية واسعة. فقد اتخذت الصين موقفًا انتقاميًا بفرض رسوم جمركية تصل إلى 15% على واردات الفحم والغاز الأمريكي، وإلى 10% على النفط الخام والآلات الزراعية، مهددةً برفع القضية إلى منظمة التجارة العالمية في حال استمرار الإجراءات. وفي الوقت نفسه، أصدر الاتحاد الأوروبي تحذيرات بشأن احتمال الرد “بحزم” إذا ما امتدت الرسوم الجمركية إلى دوله، دون إغفال استعداده لاستئناف الحوار في إطار دبلوماسي. أما كندا، فقد ردت بفرض رسوم بنسبة 25% على سلع أمريكية تُقدّر قيمتها بنحو 155 مليار دولار كندي، مستهدفةً بذلك قطاعات عدة مثل الخمور والأثاث والأجهزة المنزلية.

على الجانب الآخر، برزت المكسيك في هذه المواجهة كجهة فاعلة تدافع عن استقلالها، حيث أدانت الرئيسة شينباوم السياسة التبعية التي حاول ترامب فرضها على جيرانها. في تصريحها الحازم، أكدت أن المكسيك بلد حر ومستقل، وأنها لن تقبل بأن تُعامل كخليفة أو تابع لأي جهة خارجية. وبدلاً من ذلك، أعلنت عن “الخطة ب” التي تضمنت فرض رسوم جمركية مضادة وتنويع العلاقات التجارية مع شركاء جدد، بما في ذلك تعزيز الروابط مع الصين، في ظل اعتمادها الكبير على الولايات المتحدة التي تشكل 85% من صادراتها، مما جعل أي نزاع تجاري مضاد يحمل تبعات اقتصادية كبيرة للطرفين.

ومن الناحية الاقتصادية، تنذر التحليلات بأن هذه السياسات قد تؤدي إلى مخاطر حرب تجارية عالمية. فقد توقع خبراء اقتصاديون ارتفاعًا في أسعار السلع داخل الولايات المتحدة بنحو 0.7%، إلى جانب انخفاض محتمل في الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 1.5% مع استمرار الأزمة حتى عام 2025. كما أن الاعتماد الكبير لصناعة السيارات الأمريكية على واردات المركبات من المكسيك وكندا، والذي يصل إلى 22%، قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، فيما قد ترتفع تكلفة الوقود نتيجة فرض رسوم على واردات الطاقة من كندا، التي تزود الولايات المتحدة بما يقارب 61% من احتياجاتها النفطية.

تنبئ تصريحات شينباوم بمزيد من التحولات الجيوسياسية؛ إذ لم تكن مجرد رد فعل على سياسات ترامب، بل كانت إعلانًا عن نهاية الهيمنة الأحادية التي طالما اعتُمدت في النظام العالمي. فقد صرحت بأن العالم قادر على الاستغناء عن المنتجات الأمريكية واستبدالها ببدائل آسيوية وأوروبية، محذرةً الشركات الأمريكية من فقدان أسواقها العالمية والتي قد تكلفها مليارات الدولارات، خاصةً في مجالات حيوية كالتكنولوجيا والزراعة. وفي ظل تراجع النفوذ الأمريكي، يبدو أن قوى مثل الصين وروسيا تسعى إلى تعزيز مكانتهما الاقتصادية عبر دفع عملتيهما كبدائل للدولار في التجارة الدولية.

وفي الختام، وعلى الرغم من تعليق الرسوم الجمركية مؤقتًا، يبقى المشهد السياسي والاقتصادي هشًا، إذ تربط إدارة ترامب أي اتفاق دائم بتحقيق شروط محددة مثل وقف تدفق الفنتانيل وبناء جدار حدودي، فيما لا تزال المكسيك تسعى لتعزيز موقعها عبر تحالفاتها الدولية. إن هذه الأزمة تُعد مؤشراً على تحوّل أوسع في النظام العالمي، حيث بدأت الدول في البحث عن خيارات جديدة بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، مما قد يعيد تشكيل ملامح التحالفات الاقتصادية والأمنية في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *