المغربية أنفو: هاجر الرشم
ليست الحدائق مجرّد زينة عمرانية تُضاف إلى مشهد المدينة، بل قد تكون تعبيراً دقيقاً عن فهم عميق للإنسان والمكان.
في جهة العيون الساقية الحمراء، يمكن للزائر أن يلاحظ انتشار الحدائق العامة في مختلف الأحياء، بشكل متوازن ومدروس. لكنها ليست فقط مجرد مساحات خضراء، بل انعكاس لهوية الإنسان الصحراوي وثقافته واحتياجاته.
الإنسان الصحراوي بطبعه ابن الفضاء المفتوح. لا تستهويه الأماكن المغلقة كثيراً، ولا يطمئن نفسياً في الزوايا الضيقة. هو بدوي الجذر، حتى حين يسكن المدينة. يحب الخروج إلى الهواء الطلق، إلى الفضاء، إلى الضوء. لذا، فإن وجود حدائق قريبة من كل بيت، ومساحات مفتوحة للجلوس، ليس فقط رفاهية عمرانية، بل استجابة ثقافية دقيقة لروح المجتمع.ومن أبرز هذه الحدائق حديقة أم السعد وحديقة المشور، التي تمثل تجربة فريدة في التنقل البصري والراحة النفسية.



ما يُميّز حديقة المشور بالذات هو محيطها الساحر: تخرج من ساحة فتدخل إلى أخرى، تتنقل وكأنك في متاهة خضراء، حيث لا تملّ العين من المنظر، لأن الأضواء والشارع والخضرة يتكاملون في مشهد واحد متناغم. هناك، الحدائق ليست فقط مكاناً للجلوس، بل تجربة حسية ومكانية شاملة.أما حديقة الطيور، فرغم كونها أقل انفتاحاً من الحدائق الأخرى، إلا أنها تعبّر عن فكر مختلف: التفكير في الكائنات الأخرى التي تعيش بيننا.

قد لا توجد حالياً حديقة حيوانات متكاملة في العيون رغم كثافة المدينة، لكن مجرد تخصيص فضاء للطيور هو دلالة على وعي بيئي ورغبة في التنويع والتوازن.في هذه الحدائق، يجد الأطفال متنفسهم، وتجد العائلات ملاذها، وتجد الحيوانات الصغيرة مأواها. في الصباح، تُفرز الأشجار والنخيل الأوكسجين، وتمتص ثاني أوكسيد الكربون، فتخلق بيئة أكثر صحة وانتعاشاً. النجيلة (الجازون)، النخيل، النوافير، الأصوات الطبيعية، كلها تساهم في صناعة لحظة جمال يومية للساكن.
الحدائق في العيون ليست فقط شجراً وأزهاراً. إنها سياسة عمرانية قائمة على الوعي بثقافة الإنسان الصحراوي، وعلى فهم عميق لاحتياجاته البيئية والنفسية. إنها مشروع مستمر لهوية مدنية تتقاسم الحياة، لا تستهلكها فقط.