بقلم: يونس أقبو.
يواجه المغرب، كغيره من الدول حول العالم، تحديات اقتصادية كبيرة تتجلى في تزايد حالات إفلاس الشركات، لا سيما في السنوات الأخيرة. ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فإن العوامل التي أدت إلى تفاقمها تبرز بشكل خاص في سياق التأثيرات العالمية، مثل ارتفاع التضخم، وزيادة أسعار المواد الأساسية، إلى جانب التعقيدات المالية المحلية.
التضخم وتأثيره على الشركات الصغيرة
أحد العوامل الرئيسية التي دفعت الشركات المغربية نحو الإفلاس هو التضخم. ففي عام 2023، شهد المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التضخم وصلت إلى 6.6%، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة أسعار المواد الغذائية. هذا الأمر أثر بشكل مباشر على الشركات الصغيرة التي كانت تجد صعوبة في التكيف مع هذه الزيادات دون أن تتحمل أعباء مالية إضافية. على سبيل المثال، شركات توزيع المواد الغذائية الصغيرة تأثرت بشكل ملحوظ بسبب هذه الزيادات، مما جعلها غير قادرة على مجاراة الطلب المتزايد وتغطية تكاليف التشغيل، زيادة على ذلك تعاني العديد من الشركات المغربية من مشكلة تحصيل المستحقات المالية. حيث يواجه العديد من الشركات الصغيرة مشكلة في تحصيل الأموال من العملاء بعد بيع المنتجات أو تقديم الخدمات. هذه المشكلة ليست فقط نتيجة لتباطؤ عمليات الدفع، بل تتعلق أيضًا باستخدام شيكات غير قابلة للصرف. هذا الوضع يزيد من الضغط على الشركات الصغيرة التي تعتمد على التدفقات النقدية اليومية لتغطية نفقاتها.
يُذكر أن المغرب سجل 12,400 حالة إفلاس في عام 2023، وهو ما يمثل زيادة سنوية بنسبة 17% مقارنة بالسنوات السابقة. على سبيل المثال، شركات استمرت في العمل لعدة سنوات قبل أن تعلن إفلاسها بسبب عدم قدرتها على تحصيل مستحقاتها والاستفادة من الإعفاءات الضريبية. وهناك شركات أيضا قد تبدو “مفلسة” على الورق، لكن في الواقع قد تكون قادرة على الاستمرار إذا توفرت لها السيولة النقدية المناسبة.
الأثر العالمي والأمثلة الدولية
لا يقتصر تأثير الأزمات الاقتصادية على المغرب فحسب، بل إنها ظاهرة عالمية. في ألمانيا، أعلنت حوالي 1,400 شركة إفلاسها في يوليو 2023 وحده، النمسا أيضًا شهدت إفلاس 3,300 شركة في أول ستة أشهر من عام 2023، وهو أعلى معدل إفلاس منذ 15 عامًا.
أما في اليابان وكندا، فقد واجهت الشركات الصغيرة ضغوطًا مماثلة بسبب نقص التمويل وارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة الحرب في أوكرانيا وزيادة أسعار الفائدة. في كندا، تم تسجيل 400 حالة إفلاس يوميًا خلال الربع الثاني من عام 2023.
القطاعات الواعدة: التكنولوجيا والصحة
ورغم هذه التحديات، فإن هناك قطاعات تمكنت من تحقيق نجاح ملحوظ في ظل الأزمة الاقتصادية. قطاع التكنولوجيا، خاصة الشركات التي تركز على الذكاء الاصطناعي والشحن السريع، حققت أرباحًا كبيرة. على سبيل المثال، شركة “نفيديا” الأمريكية شهدت قفزة هائلة في أرباحها بفضل مبيعاتها للرقائق المستخدمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
قطاع الصحة في المغرب يعد أيضًا من بين القطاعات الواعدة، خصوصًا بعد إدخال التغطية الصحية الشاملة. الشركات التي تقدم خدمات صحية وأدوية شهدت نمواً كبيراً. شركة “سوطيما” المغربية على سبيل المثال، حققت نتائج مالية ممتازة في الربع الثاني من عام 2024.
بينما يواجه المغرب تحديات اقتصادية كبيرة، فإن هناك فرصاً للنمو والازدهار في بعض القطاعات إذا تم استغلالها بشكل صحيح. التحول نحو التكنولوجيا يمكن أن يكون نقطة تحول للشركات التي تسعى للبقاء والتوسع. يُظهر الارتفاع في حالات الإفلاس، والتي بلغت 12,400 حالة في عام 2023، الحاجة إلى سياسات اقتصادية مبتكرة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في المغرب.